0%

إدارة الازمات الإعلامية بين القيادة الأخلاقية والاستجابة الفعالة

في 18 سبتمبر 2015 م أعلنت وكالة حماية البيئة الأمريكية عن وجود انتهاكات ارتكبتها شركة فولكس فاغن بشأن قانون الهواء النظيف ، ووفقًا للتقرير فأن شركة فولكس فاغن حاولت اجتياز اختبارات الانبعاث عن طريق تثبيت برمجيات تعمل على التحكم في الانبعاثات وتقليلها أثناء اجراء الاختبار ، وتتوقف هذه الانظمة عن العمل اثناء قيادة المركبة في الظروف العادية حيث تبدء المركبة في انتاج أكسيد النيتروجين بمعدل اعلى من الحد المسموح به بأربعين مرة ، و تشير التقديرات إلى أن الازمة قد تؤثر على ما لا يقل عن 11 مليون سيارة في جميع أنحاء العالم .

بدئت الوقائع في وقت سابق من عام 2014 م، حيث لفتت احد المنظمات غير الحكومية الانتباه إلى الانبعاثات السامة الصادرة من سيارات فولكس فاغن عقب ذلك طلبت وكالة حماية البيئة من الشركة فحص المركبات المعيبة كما تصاعدت الازمة عندما مرر مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا (CARB) إلى وكالة حماية البيئة تقارير تطلب فيه مواصلة الاختبارات التي أنكرت فولكس فاغن في البدء نتائجها ، عقب ذلك الانكار تم تقديم اعترافات من قبل بعض المهندسين في الشركة تؤكد هذه الاتهامات .

قبلت شركة فولكس فاغن لاحقاً الاعتراف علنا، وأدى هذا الاعتراف الى استدعاء عدد كبير من المركبات والذي بدوره أحدث انخفاضاً كبيراً في سعر السهم للشركة وخسارة في الإيرادات بلغت 1.84 مليار دولار بالإضافة الى العقوبات التي قدرت حسب العديد من التقارير ب 2.8 مليار دولار، كما أجبرت الأزمة الرئيس التنفيذي "مارتن وينتركورن" على الاستقالة والذي حل محله " ماتياس مولر “ و الذي طالب بالتحقيق المستقل في القضية، بالإضافة الى تعليق عمل العديد من كبار المسؤولين في الشركة مثل رئيس تطوير العلامة التجارية ورئيس قسم البحث والتطوير لشركة أودي وبورشه

تحليل السلوك التنظيمي

هناك ثلاث ركائز تسهم في القيادة الفعالة، وهي الشخصية والكفاءة والالتزام واينما وجد ضعف في أي من هذه الركائز فسيكون هناك تأثير ملحوظ على القدرة القيادية. ومما لا شك فيه فأن قادة فولكس فاغن متعلمون للغاية ومحاطون بكفاءات متميزة تمتلك خبرات تمكنهم من معالجة أي من العقبات او التحديات المحتملة بشكل فعال، الا ان الازمة تثبت أن غياب النزاهة والرصانة في القادة قد يعرض الاعمال التجارية إلى مخاطر محتملة. بالإضافة الى ان الرئيس التنفيذي البديل للشركة ذكر أن الموظفين لم يكونوا قادرين على التعبير عن مخاوفهم بحرية، وهذا يعني فشل قادة الشركة في الاستفادة من إمكانات موظفيهم بشكل كامل، حيث يتم تنفيذ معظم الاعمال في ظل نظام ديكتاتوري صارم، كما ان التدفق غير الكافي للبيانات من أعلى إلى أسفل أحد اهم العناصر التي ساهمت في هذه المشكلة نظرًا لأن فولكس فاغن شركة عملاقة فإن إجراءات صناعة واتخاذ القرار طويلة ومعقدة ونتيجة لذلك، يصبح من الصعب اتخاذ القرار والاستجابة في وقت ملائم. ورغم التزام شركة فولكس فاغن تجاه المسؤولية الاجتماعية وتجاه البيئة وفقاً لما ذكر في موقعها الرسمي الا ان ذلك أصبح متضارباً بشكل ملحوظ مع توجهات الشركة في تحقيق ربح خلال فترة زمنية قصيرة والوصول الى هدفها المتمثل في ان تكون أحد أكبر شركات السيارات في عام 2018 م.

كما دفع التنظيم الهرمي في الشركة إلى نشر الثقافة البيروقراطية، وعدم تمتع الموظفون بالحرية الكاملة في التعبير والتحدث عن التغيير، وقد كشفت فولكس فاغن أن الأسلوب السابق للإدارة كان استبدادي وان الرئيس التنفيذي الجديد للشركة قد وضع هدفًا طموحًا يتمثل في تشجيع الموظفين على ابداء الرأي وإجراء الحوارات والتواصل المفتوح عبر المستويات التنظيمية المختلفة. ويتوقع ان يعزز ذلك من الإبداع وإنتاجية الموظفين والشعور بالانتماء والحماس بالإضافة الى الاسهام في خفض المخاطر المحتملة والتي قد تؤثر على سير وعمل الشركة. كذلك لوحظ ان الشركة تفتقر الى التنوع والشمول في عمليات الاستقطاب والتوظيف حيث تشكل غالبية المسؤولين في الشركة من الذكور الالمان ونتيجة لذلك، لم تكن الشركة قادرة على الحصول على منظور مختلف يمكن ان يسهم في تخفيف حدة الازمة الإعلامية.

فاعلية الاستجابة

عندما حاولت وكالة حماية البيئة الامريكية تحذير شركة فولكس فاغن من الانبعاثات التي تصدر من مركباتها التي تعمل بالديزل، لم تكن استجابة الشركة للتحذيرات فعالة. عقب تلك التحذيرات تغطيات إعلامية كبيرة أعلن على أثرها الرئيس التنفيذي للشركة "مارتن " استقالته من المنصب. وأكد الرئيس التنفيذي الجديد "مولر" أنه سوف يعمل لاستعادة الثقة من خلال الاتصال المفتوح وتنفيذ استراتيجية تعالج خمس جوانب رئيسية. أولاً، مساعد العملاء الذين عانوا مما حدث، ثانيًا، التحقيق وتحديد الشخص او الإدارة المسؤولة ثالثًا، توفير المزيد من الاستقلالية لكل منطقة يهدف رفع الكفاءة والإنتاجية والشفافية. رابعًا، تعزيز التواصل المفتوح بين الموظفين وزيادة التعاون. أخيرًا، تغيير المخطط الزمني لاستراتيجية الشركة لتصبح 2025 م بدلاً من 2018 م.

ايضاً تسبب تعليق عمل العديد من المسؤولين في الشركة بالإضافة الى استقالة اخرين على مستوى وفعالية الاستجابة المقدمة من قبل الشركة ومع ذلك، فإن استراتيجية الرئيس التنفيذي الجديد "مولر" المكونة من خمس نقاط كانت بداية جيدة للتصحيح، ويتوقع ان تكون الخطة فعالة أكثر عندما يتم التركيز على تحسين الثقافة التنظيمية للشركة.

استنتاجات

تبين هذه القضية بوضوح أهمية القيادة الأخلاقية كذلك القدرة على احداث التغيير السريع في بيئة الأعمال، كما تبين كيف أن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي عنصر أساسي ومهم للأعمال التجارية ويجب أن تدرك الشركات أن لديها واجبًا أخلاقيًا تجاه المجتمع والبيئة كذلك تؤكد ان النهج الغير ملائم لتحقيق النجاحات قد يقود المنظمات الى تحقيق نجاحات لكنها بالتأكيد ستكون غير مستدامة. كما كان بالإمكان التركيز على القدرات الحالية والمواهب التي تمتلكها الشركة لصنع تحولات ايجابية في الصناعة ونتائج صديقة للبيئة وقدرة تنافسية عالية بدلاً من استخدام الموهبة لإنتاج ابتكارات ذات مغزى سلبي. وأخيرا، مراعاة التنوع للمواهب والكفاءات، فالموظفين ذو الخلفية الثقافية المتنوعة أكثر قدرة على تحقيق إنتاجية ومستوى تنافسي أكبر، كما يجب أن تتكيف المهارات الإدارية للشركات لاستيعاب الثقافات المتعددة في بيئة العمل.